• الموقع الرسمي للشيخ د. محمد ضاوي العصيمي
  • مارس 20, 2025

يحبهم ويحبونه

المزيد

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:

إن مما أورث الله قلوب العباد من الصفات الحسنة والنعوت الجميلة، إيراثهم صفة المحبة، فوجود الحب والمحبة في قلوب العباد مما جبلت عليه نفوسهم، ولهذا قيل من لا يُحِبُ لا يكون إنساناً.

«قَبَّلَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- الحسنَ بنَ عَليٍّ، وعنده الأقْرَعُ بنُ حابس التميميُّ، فقال الأقرعُ: إِن لي عَشْرة من الوَلَد ما قَبَّلْتُ منهم أحداً، فنظر إِليهِ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم- ثم قالَ: مَن لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ» . أَخرجه البخاري، ومسلم.

– إن الحديث عن المحبة يتفاوت بتفاوت المُحِبْ والمُحَبْ، وبقدر ما يكون المُحَبْ له قدر في قلب المُحِبْ بقدر ما تكون المحبة.

– ألا وإن أعظم من يجب محبته وتعليق القلوب به هو الله جل جلاله وتقدست أسماؤه، ولهذا كانت درجة محبة الله تعالى ومنزلته من أعظم المنازل التي أفنى فيها الصالحون عُمرهم وأجهدوا أبدانهم وبذلوا في سبيل ذلك أرواحهم وأجسادهم.

قال ابن القيم وهو يصف محبة الله تعالى: “هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخصِ العاملون وإلى علمها شمر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروح العابدون، فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون، وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عَدِمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم والآم “. ا.هـ

– منْ مِن الناس اليوم من لا يدعي محبته لله تعالى؟ الجواب: أنه لا يوجد من لا يدعي هذا الشرف وتلك المكانة، لكن المؤسف هو أن كثيراً من الناس يخالف قولهُ فعله، وتصرفاته قالاته.

فالمحب الحقيقي لله تعالى هو من أطاعه لا من عصاه، والمحب الحقيقي هو من خافه لا من هان عليه، ولهذا جعل الله تعالى للحب علامات وشارات لم يكن متصفاً بها من لم يأتي بهذه العلامات، منها تحقيق المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً واعتقاداً، قال تعالى :{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، قال الحسن عند هذه الآية: “ادعى قوم محبة الله تعالى فابتلاهم الله بهذه الآية، وفي هذا يقول الشافع :

تعصي الإله وأنت تزعم حبهُ *** هذا لعمري في القياس بديع

لو كان حبك صادقاً لأطعته *** إن المُحِبْ لمن يُحبُ مطيع

– ومن عظم منزلة محبة الله تعالى أنها ركن العبادة ولهذا كان من معاني الإله : الذي تألهه القلوب محبةً وتعظيماً، ومحبة الله هي الإسلام، فالإسلام هو الانقياد للآمر والناهي وهو الله تعالى، ولهذا لما جهل المشركون شأن المحبة شركوا مع الله تعالى غيره في المحبة، فهم في حقيقة الأمر لم يحبوا أصنامهم ومعبوداتهم واكتفوا بذلك، بل أحبوا الله تعالى وأحبوا معه غيره، كما هو حال كثير من الجهلة اليوم ممن يتوجه إلى الأموات والمقبورين فيحبهم المحبة الشرعية التي يتوجه فيها بصرف جميع أنواع العبادة لهم، قال تعالى :{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}.

ومن الصفات التي وصف الله بها نفسه في كتابه ووصفه بها رسوله ﷺ (صفة المحبة) على ما يليق بالله عز وجل، فالله موصوف بأنه يحب التوابين والمتطهرين والمحسنين والمتقين والصابرين، ومن أنكر وصف الله بالمحبة بدعوى أن المحبة ميل القلب إلى المحبوب وأن هذا لا يليق بالله فهذا قد افترى على الله الكذب ولم يسلم لظاهر نصوص الكتاب والسنة، وهو ممن شبه الله بخلقه لأنه زعم أن محبة الخالق كمحبة المخلوق التي فيها نوع ميل إلى من يحب، تعالى الله عن ذلك وتنزه.

((والحمد لله رب العالمين))

كتبها

د. محمد ضاوي العصيمي


188
محمد ضاوي العصيمي

النشرة الإخبارية

التصنيفات