• الموقع الرسمي للشيخ د. محمد ضاوي العصيمي
  • مارس 20, 2025

وصايا مهمة في خطبة عيد الأضحى

المزيد

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلا .

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، بلغ الرسالة وأدى الأمانة, ونصح الأمة، وأقام الحجة وبين المحجة، لم يترك شراً إلا حذر أمته منه، ولا خيراً إلا ودل أمته عليه، وقد نزل تصديقاً لذلك قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:3].

 اختار الله لتنزيل هذه الآية أشرف الأزمنة مع أشرف الأمكنة فقد نزلت في يوم جمعة والنبي صلى الله عليه وسلم قائم بعرفة حتى قال أحد اليهود لعمر: “لقد نزلت عليكم معشر المسلمين آيةْ لو نزلت علينا نحن معشر اليهود لاتخذناها عيداً”.

– فهذه الآية تضمنت كمال الدين وتمامه، فدين الله تعالى ليس بحاجة إلى من يحدث فيه ما ليس منه كإحداث البدع والخرافات، ولا من يستدرك عليه كاختراع الأنظمة والقوانين البشرية الوضعية, فهو كامل بتكميل الله له، ومن كمال هذا الدين أنه شرع للمسلمين أعياداً شرعية وهما (عيد الفطر وعيد الأضحى) فليس للمسلمين من أعياد غيرهُما، فهذان العيدان شرعا لبيان أن هذه الشريعة لم تأت لتشق على الناس وتضيق عليهم، بل أباحت لهم اللهو والانبساط والتوسع في المباح والفرح, لكنها قيَّدت ذلك بالتقيد بضوابط الشرع، فلا إسفاف ولا عُري ولا اختلاطٌ محرم ولا مجون ولا خلاعة.

– ومن تأمل أعياد المسلمين وجدها لا تأتي إلا بعد أداء ركن من أركان الإسلام العظام فعيد الفطر يأتي بعد أداء ركن الصيام، وعيد الأضحى جاء بعد أداء ركن الحج .

* ( الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد )

– إن من أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى في هذا اليوم وأيام التشريق الثلاث بعده، عبادة الذبح لله تعالى، فالذبح عبادة يحبها الله جل جلاله وقد قرنها سبحانه وتعالى في آيات مع الصلاة مما يدل على فضلها قال تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] وقال:{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162].

فإذا كان الذبح عبادة فلا يجوز لأحد صرفها لغير الله جل وعلا كصرفها للسحرة والجن والميتين من المقبورين، قال صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ» رواه مسلم، ومما يدخل في عبادة الذبح في هذا اليوم (الأضحية) فالأضحية سنة الخليلين إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم، وفي الأضحية حِكَمٌ عظيمة ففيها امتثال أمر الله تعالى وفيها شكر الله تعالى على نعمه وفيها مواساةٌ من الغني للفقير، ومن الموسر للمعسر، وفيها كسر الشح والبخل من قلب العبد وفيها مشاركة للحجاج في بعض أعمالهم .

– والأضحية سنة مؤكدة وقال بعض أهل العلم بوجوبها على القادر واستدلوا بحديث :” من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا ” .

فعلى من منَّ الله عليه أن لا يبخل بأداء هذه الشعيرة العظيمة حتى قال غير واحد من أهل العلم أنه يستحب للإنسان العاجز أن يقترض إن كان له وفاء حتى يضحي، وقالوا بأن المدين إذا لم يطالب بالوفاء فإنه يبدأ بالأضحية ثم يوفي دينه كل ذلك تأكيداً لأهمية الأضحية .

* أما شروط الأضحية :-

أولاً : يجب أن تكون من بهيمة الأنعام ( الإبل – البقر – الغنم بنوعيها الضأن والماعز).

– ويجوز أن يشترك سبعة في بعير أو بقرة .

ثانياً: أن يكون الذبح في الوقت المحدد شرعاً وهو من بعد صلاة العيد إلى آخر أيام التشريق، فمن ذبح قبل الصلاة فهي شاة لحم لا تجزئه .

ثالثاً: ومن الشروط أن تكون الأضحية في السن المحددة شرعاً، فالإبل لابد فيها من أن تكون خمس سنين، والبقر سنتان، والضأن من الغنم ستة أشهر، والماعز سنة .

رابعاً: ومن الشروط أن تكون سالمة من العيوب التي تمنع الإجزاء: فلا تجوز العوراء البين عورها، ولا العرجاء البين عرجها، ولا المريضة البين مرضها، ولاالهزيلة التي لا مخ لها، وألحق العلماء العمياء ومقطوعة الذنب ومكسورة أكثر القرن، أما إذا قطع بعض أذنها أو كسر بعض قرنها فهذه تجزئ، قال رجل للبراء:” إني أكره أن يكون في الأذن نقص أو في القرن نقص أو في السن نقص، فقال: ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد”.

– وننبه أن من اشترى أضحية ليس لها ذنب في أصل خلقتها أو ليس لها قرن في أصل خلقتها فمثل هذه يجوز التضحية بها .

– ومما ينبه عليه كذلك أن من اشترى أضحية سليمة ثم حدث فيها عيب قبل أن يضحي بها وكان هذا العيب بغير تفريط منه ولا تعدٍ فهذه يجوز التضحية بها .

– ومن المسائل المتعلقة بالأضحية أنه يتعين على أهل كل بيت أضحية ولو كان يعيش في البيت رجل مع أبنائه المتزوجين .

والأفضل أن يضحي كل متزوج له أسرة عن زوجته وأبنائه استكثاراً من الخير وطلباً للثواب، وإذا استقل أحد الأبناء ببيت مستقل فإنه يضحي بأضحية مستقلة عن نفسه وعن أهل بيته .

* ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الناس في الأضاحي ما يلي :-

استرخاصهم الأضاحي وطلبهم للأرخص والأقل ثمناً مع قدرتهم على بذل الأغلى والأسمن، وهذا ليس بمرضي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بأفضل الأضاحي سمناً وجمالاً وثمناً فقد ضحى بكبشين أملحين أقرنين موجوئين.

والعجيب أن بعض الناس لو قُدِمَ له بعض ما ضحى به لاستنكفت نفسه وتردد أن يأكله، يصدق في هذا قوله تعالى: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة: 267].

ومن الأخطاء إخراج الأضاحي نقداً لتوزع على الفقير نقداً, وهذا لا يجزئ أما إذا أعطى غيره مالاً ليشتري له أضحية جاز ذلك .

ومن الأخطاء اعتقاد بعض الناس أنه إذا وكلَّ غيره جاز له الأخذ من الشعر والأظفار ولو قبل ذبح الأضحية وهذا غير صحيح .

ومن الأخطاء اعتقاد بعض الناس أنه لا يجوز الذبح ليلاً, أو لا يجوز التضحية بالأنثى، أو أنه لا يجوز تكسير عظامها، أو أنه لابد من المسح على رأس الأضحية وجسدها، ونقول بأن كل هذا لا دليل عليه .

ومن الأخطاء جهل بعض الناس لما يشرع فعله عند الذبح، فيسن للإنسان أن يذبح بنفسه إذا كان ممن يحسن الذبح؛ وإن لم يحسن الذبح فلا يجوز له تعذيب البهيمة، وعليه أن يسمي الله تعالى عند ذبحها ويسن له قول: اللهم هذا منك وإليك اللهم تقبل مني، وعلى الإنسان أن يحسن الذبحة ومن ذلك أن لا يحد السكين أمام ناظريها، وأن لا تذبح البهائم جميعاً, وأن تكون السكين حادة حتى لا يعذبها.

– وأما ما يسأل عنه بعض الناس من توكيل اللجان في الذبح عنهم خارج البلد فهو وإن كان جائزاً، ولكن لا ينبغي أن يكون دافع الإنسان عند توكيل اللجان هو استرخاص الأضاحي فقط كما يفعل بعض الناس، فليس من اللائق أن يبذل الإنسان في سبيل المباحات أموالاً طائلة فإذا جاء عند أداء العبادة والقيام بالشعيرة شحت نفسه وبخلت والله يقول:{لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [آل عمران:92].

– ويشرع للإنسان تثليث أضحيته فيأكل هو وأهل بيته ثلثاً ويتصدق بالثلث، ويهدي جيرانه وأقرباءه ثلثاً .

– ومن الأخطاء كذلك أن بعض الناس يأكل لحم أضحيته كلها وهذا لا يصح فالله عز وجل يقول: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] ولهذا قال العلماء :” من لا يعطي الفقير شيئاً من لحم أضحيته لم تجزئ أضحيته”.

– ولا يجوز كذلك إعطاء الجازر أجرته من لحم الأضحية ولا من جلدها، فيعطي أجرته من غيرها ثم إذا أراد المضحي أن يعطيه من لحمها صدقة أو هدية جاز .

*( الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد) .

أيها المسلمون : إن العيد الحقيقي لا يكون بلبس الجديد من الثياب ولكن العيد يكون بالخوف من العزيز الوهاب, فكم من إنسان كثير الثياب لكنه عاري الثواب، إن العيد الحقيقي يتمثل في من طاعته لله تزيد، العيد الحقيقي لمن لا يعصي فيه الحميد المجيد، العيد الحقيقي يوم أن توضع أول قدم في الجنة وقد خلفت أيها الموفق النار خلف ظهرك.

جعلنا الله وإياكم ذلك الإنسان .

* (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد) .

– إن أعظم باب قد يؤتى من قبله الإنسان دون أن يشعر، ويكون حسابه فيها عند الله عسيرا، هو ذلك الباب المتمثل بإهمال كثيرٍ من أولياء الأمور لشؤون أبنائهم وبناتهم، يصدق في بعضهم قوله تعالى: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر:2]، وإلا بماذا نسمي من يرى المنكر في بيته وأمام ناظريه، ومن بناته وأبنائه وكأن الأمر لا يعنيه, إن من أعظم المظاهر السيئة التي تفشت في الآونة الأخيرة تساهل كثير من النساء في التبرج عبر إبراز مفاتنها وإن كانت في نظر أهلها منقبة.

لكنها قد أظهرت أكثر مما أخفته فاستعملها الشيطان في إضلال عباد الله ولعل من أبرز المظاهر المحرمة والقبيحة رفع بعض النساء لشعرها فوق رأسها لتعلى هامتها وهي بذلك متوعدة بقوله صلى الله عليه وسلم عن بعض أهل النار ممن لم يرهم: «نساءٌ كاسيات عارِيات، مُمِيلات مائلات، رؤوسهنّ كأسْنِمَةِ البُخُتِ المائلة، لا يدخُلْنَ الجنة، ولا يَجِدْنَ ريحها، وإن رِيحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا» أخرجه مسلم.

فالله الله في نسائكم وبناتكم فهن أمانة في رقابكم، ولا يغتر أحدٌ بوجود الثقة فكم هدمت تلك الثقة بيوتاً وصدعت سدوداً، يصدق في هذا المفرط في الثقة قول القائل :

ومن رعى الغنم في أرض مسبعةٍ***ونام عنها تولى رعيها الذئب

* (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ).

– إن من أعظم الأمور خطراً على الإنسان أن يطلق للسانه العنان في الاستهزاء بالدين وشعائره وأحكامه، إن مما يؤسف له أنه وفي هذا البلد المسلم لا يكاد يمر يوم إلا ونجد الاستهزاء بالشريعة وبأهلها ظاهر عبر مقالة سخيفة ونكتة سمجة ومسرحيات قبيحة ورسومات تافهة فارغة، ونسي هؤلاء المساكين خطورة مثل هذا الاستهزاء وما يجره على أهله، وما علم هؤلاء الجهلة أن استهزاءهم لا يضر الدين ولا أهله وإنما يضر المتطاولين عليه وليبشروا بالويلات التي تعقبها حسرات، وهم في هذا داخلون فى قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين: 34-36].

* (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ).

– إن مما عمت به البلوى في الأيام الماضية أن كثيراً من الناس اندفع وراء عبارات السياسيين ومقالات الكتاب والمحللين، فنسي أمراً مهماً، وغفل عن قضية جوهرية، ألا وهي أن من أخطر الأمور على المجتمعات إغراق الناس في الكلام في ولاة الأمور طعناً وقدحاً واستهزاءً.

وقد ساعد على هذا وللأسف إعلامٌ لاهثٌ وراء الإثارة، ولو على حساب تشرذم المجتمع والتفريق بين أهله وأفراده، وخيرٌ لنا ولهم حفظ ألسنتنا والدعاء لأئمتنا فبصلاحهم صلاح الناس وفسادهم فساد الناس، قال بعض السلف :” ما لعن قوم إمامهم إلا حُرِموا بركته”.

*( الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد) .

– من الأحكام المهمة التي يحتاج الناس لمعرفتها في هذا اليوم وهو ما إذا وافق العيد يوم الجمعة، فما العمل؟

فالجواب: أن الصحيح من أقوال أهل العلم أن من صلى العيد سقط وجوب صلاة الجمعة عنه لما ثبت في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :” أيها الناس اجتمع في يومنا هذا عيدان فمن شاء منكم أن يشهد الجمعة وإنا مجمعون “، والحكمة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :” أن في إيجاب الجمعة تضييق على الناس وتكدير لمقصود عيدهم، وما سن لهم من السرور فيه والانبساط ” .1هـ .

– ولا يعني هذا أن صلاة الظهر تسقط، فصلاة الظهر لا تسقط بحال, والأكمل والأفضل أن يصلي الإنسان العيد والجمعة ليحصل له بذلك أجر الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وسماع الخطبة الثانية واجتماع المسلمين.

– ومما يندب الإنسان إليه كذلك الاستمرار على التكبير أدبار الصلوات كلها إلى عصر آخر أيام التشريق .

* (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد).

– ومما يوصى به الإنسان في هذا اليوم تحديداً صلة من أمر الله بصلتهم وأعظم هؤلاء الوالدين ثم من بعدهم، وإياك أيها المسلم ويا أيتها المسلمة أن يُسَّولَ لكم الشيطان استمرار القطيعة وديمومة التهاجر .

نسأل الله أن يتقبل من الحجاج حجهم، وأن يبلغهم ما أرادوا من مغفرة الذنوب، وتكفير السيئات، والعودة من الذنوب كما ولدت الأمهات وأنجبت الوالدات .

وجعلنا الله معهم في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .

((والحمد لله رب العالمين))

كتبها

الشيخ د. محمد ضاوي العصيمي


233
محمد ضاوي العصيمي

النشرة الإخبارية

التصنيفات