• الموقع الرسمي للشيخ د. محمد ضاوي العصيمي
  • مارس 19, 2025

أخلاق منسية

المزيد

من أعظم الصفات التي كرّم الله بها عباده المتقين، وهي صفة الأنبياء والصديقين (حسن الخلق)، وقد رتب الله تعالى على حسن الخلق المنازل العالية والدرجات الرفيعة لأهله، ومن ذلك أن صاحب الخلق الحسن:

ينال درجة العابدين قال صلى الله عليه وسلم (أن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة صائم النهار قائم الليل) وحسن الخلق من أعظم ما يثقل به ميزان العبد قال صلى الله عليه وسلم (ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق).

وصاحب الخلق الحسن من أقرب الناس مجلساً لنبينا صلى الله عليه وسلم يوم، قال صلى الله عليه (أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم خلقاً)، بل إن حسن الخلق جماع الخير والبر كله، سئل صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال: (البرّ حسن الخلق)، فبحسن الخلق ترتفع درجة العبد عند الله ويعظم قدره.

فالناس إنما يتفاضلون بدينهم وخلقهم، وليس بأموالهم وحسبهم وإلا فكم من غني لما ساء خلقه أصبح مهجوراً في الأرض لا يأبه له ولا يدرى عنه، وكم من فقيرٍ لما كانت صفة الخلق الحسن لازمة له رفعه الله درجته وأعلا في الناس قدره ومنزلته.

والأخلاق الحسنة صفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فهذا موسى عليه الصلاة والسلام اتصف بالحياء، وهذا أيوب رزق الصبر وهذا خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام اتصف بعفة اللسان، وهذا عيسى عليه الصلاة والسلام اتصف بالحلم.

وقد جمع الله لنبينا جماع الأخلاق الحسنة كلها ويكفيه تزكية الله له (وإنك لعلى خلق عظيم).

والكلام عن كل خلق من الأخلاق يحتاج إلى مقالات، لكن حسبي أن أنبه على أخلاق منسية تحتاج إلى التركيز سيما في هذا الزمن الذي طغت فيه البذاءة وغلب على كثير من الناس ضيق الصدر ولم يستشعر كثير منهم ما لحسن الخلق من أثر ومكانه على الإنسان وتصرفاته.

فمن هذه الأخلاق الإنصاف والعدل: فبعض الناس وللأسف عند أدنى خصومة وخلاف يرفع لواء البغض ويجمع كل صفات المكر والخديعة، وينسف كل حسنة لأخيه، فلا يذكر له فضلاً، ولا يقر له بمعروف، ولا يحمد له تصرفاّ،  وهذا خلاف ما أمر الله به من العدل، قال تعالى (وإذا حكمتم فاعدلوا) وقال (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)، فالله هو العدل وأمر بالعدل ولهذا لما جاء ذكر بعض النصارى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم (لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ)، فإذا كان هذا حق الكافر، فكيف بالمسلم؟

فالسلف يقولون الإنصاف عزيز أي أنه نادر، وفي زماننا تجلى عدم الإنصاف وأصبح ظاهراً وللأسف الشديد، قال ابن حزم: “من أراد أن ينصف من غيره فليضع نفسه مكان خصمه، ولينظر كيف يُجِب أن يعامل”.

إن من المؤلم أنك تجد بعض الناس قد تكون له عداوة مع فرد أو جماعة يبلغ فيه من الفجور في الخصومة إلى محبة ظهور ذلك العدو ولو كان كافراً على هذا الفرد أو تلك الجماعة المسلمة.

ومن الأخلاق المنسية خلق السماحة

فالسماحة خلق كريم، يدل على كرم صاحبه وجميل خلقه، وهي تدل على طيب نفس صاحبها، ولين جانبه وسهولة تعامله، وبالسماحة تصفو القلوب ويسود الوئام، قال صلى الله عليه وسلم: (أفضل الإيمان الصبر والسماحة) وللسماحة صوراً كثيرةً؛ منها: حال التخاصم فمن السماحة أن تغض الطرف عن بعض حقك وإن كان ظاهراً الأصل، ومن السماحة السماحة في البيع والشراء، قال صلى الله عليه وسلم (رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع سمحاً إذا اشتري سمحاً إذا اقتضى)، ومن السماحة السماحة في قضاء حوائج الناس، فعن أنس: قال: (إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت فيمضي معها حتى يقضي حاجتها).

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لاحسنها إلا أنت

كتبه

د. محمد ضاوي العصيمي

301
محمد ضاوي العصيمي

النشرة الإخبارية

التصنيفات